البهائم تشارك الإنسان في الصبر .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد، لقد كان القرآن الكريم يربي الصحابة والأمة من بعدهم على التعلق بالمنهج وذم التعلق بالأشخاص، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا منهجه، ومنهج كل من دعا إلى الله على بصيرة، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال صلى الله عليه وسلم أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى إختلافا كثيرا،
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة” والشاهد قوله كأنها موعظة مودع “فعليكم بسنتي” فربما كان قد وقع منه صلى الله عليه وسلم وسلم تعريض في تلك الخطبة بالتوديع، وأنه مغادر الحياة ، فأوصاهم بالتعلق بسنته بعده ، وقول الصحابة “فأوصنا” فيه أنهم لما فهموا أنه مودع إستوصوه وصية ينفعهم التمسك بها بعده، وإن من أنواع الصبر هو الصبر النفسي الإضطراري والإختياري ولكل منهما نوعين وأن البهائم تشارك الإنسان في النوعين الإضطراريين لكنه يتميز عليها بالنوعين الإختياريين، والصبر الإختياري هو أكمل من الإضطراري، فإن الإضطراري يشترك فيه الناس ويتأتى ممن لا يتأتى منه الصبر الإختياري.
ولذلك كان صبر يوسف على مطاوعة امرأة العزيز وصبره على ما ناله من السجن أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبويه، وباعوه بيع العبد، ومن الصبر الإختياري صبره على العز والتمكين الذي أورثه الله تعالي إياه فجعله مسخرا لطاعة الله تعالي ولم ينقله ذلك إلى الكبر والبطر، وكذلك كان صبر نوح والخليل وموسى الكليم والمسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم فإن صبرهم كان على الدعوة إلى الله عز وجل ومجاهدة أعداء الله عز وجل ولهذا سموا أولي العزم، وأمر الله تعالي رسوله صلي الله عليه وسلم أن يصبر كصبرهم “فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل” ونهاه عن أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر فخرج مغاضبا قبل أن يؤذن له “فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت”
ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على أولي العزم حتى ردوها إلى خيرهم وأفضلهم وأصبرهم، وإعلم أن الصبر المتعلق بالتكليف وهو صبر إما على الطاعة أو عن المعصية أفضل من الصبر على مر القدر فإن هذا الأخير يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلابد لكل أحد من الصبر على القدر إختيارا أو اضطرارا، أما الصبر على الأوامر وعن النواهي فهو صبر أتباع الرسل، والصبر على الأوامر أفضل من الصبر عن النواهي لأن فعل المأمور أحب إلى الله تعالي من ترك المحظور والصبر على أحب الأمرين أفضل وأعلى، فقال الله تعالى في كتابه العزيز “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب” وكما قال الله تعالى “إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألق السمع وهو شهيد”