تواضع أم كبر

تواضع أم كبر ترافعا، حيث التواضع بات مستحقرا، وكبرا صارا ممجدا، وكأن التواضع ظن جهلا بصاحبه، وذات كبر علما بكبره، إذ بالمتواضع محبوسا في تواضعه، مرفوع الرأس ناكرا لجهل جاهلا متكبرا، فكم من متواضع بات بين العلماء برفعة مترفعا، وكم من متكبرا بين العلماء مستنكرا ومستحقرا ، فليس التواضع جهلا من صاحبه بل علم تعلما وصارا بين العلماء متواضعا، كلما زاد تواضعه زاد علمه ونفعه وبات تاريخه مدونا، علما يدرس عمرا واعمارا بعد مماته.
-فمن علم الأحاديث تعلما رفعة لأهله دنيا وآخرة، وعلو قدر عند الله وعند الناس مسطرا لقول صاحب المقام محمدا صلوات ربي وتسليماته عليه(ما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
كما أمره الله سبحانه وتعالى أن يلين جانبه للمؤمنين، وأن يتواضع لهم، قائلا سبحانه {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} صدق الله. وكما قال القرطبيُّ: ( أَلِن جانبك لمن آمن بك، وتواضعْ لهم).
– وقال لقمان لابنه وهو يعظه بالكتاب مسطورا {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} صدق الله. وقوله سبحانه وتعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} صدق الله.
– وقال ابن القيِّم رحمه الله(أي: سكينة ووقارًا، متواضعين غير أشرين ولا مَرِحين ولا متكبِّرين، قال الحسن: علماء حلماء.
– فلا تحتقر الناس، ولا تتكبر عليهم، فإن التواضع من أخلاق الكرام، والكبر والعجب من أخلاق اللئام.
– وعظَّـم الرسول صلى الله عليه وسلم التواضع المحمود ومدحه فقال ( طوبى لمن تواضع في غير منقصة , وذل نفسه في غير مسكنة ) , فلا ينبغي المبالغة في التواضع لدرجة مذلة النفس.
– فكن بسيطاً ، فإن البساطة بذاتها جمال، وكما قال الشاعر: ولا تمشِ فوق الأرضِ إلَّا تواضعًا فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ فإن كنتَ في عزٍّ وخيرٍ ومنعةٍ فكم مات مِن قومٍ هم منك أوضعُ.
– وقال موسى بن علي بن موسى: تواضعْ تكنْ كالنَّجمِ لاح لناظرٍ على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ ولا تكُ كالدُّخانِ يعلو بنفسِه إلى طبقاتِ الجوِّ وهو وضيعُ.
– وقال آخر: تواضعْ إذا ما نلتَ في النَّاسِ رفعةً فإنَّ رفيعَ القومِ مَن يتواضعُ
ـ وقال آخر: وكفى بملتمسِ التَّواضُعِ رفعةً وكفَى بملتمسِ العلوِّ سفالًا .
ـ وقال المرادي: وأحسنُ مقرونَيْنِ في عينِ ناظرٍ جلالةُ قدرٍ في خمولِ تواضعِ وقال آخر:إنَّ التَّواضُعَ مِن خصالِ المتَّقي وبه التَّقِيُّ إلى المعالي يرتقي.
فالتواضع يرفع أهله في الدنيا والآخرة، ويعلي قدرهم عند الله وعند الناس، ويُسهم في بناء مجتمعٍ متعاونٍ ومتماسك بعيداً عن الصراعات والنزاعات؛ إذ يتبنّى أفراده المتواضعون ثقافةَ العمل الجماعي والتطوعي، والحرص على مساعدة الآخرين، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، بالإضافة إلى ضبط النفس، وترك الغرور، والاستجابة للمواقف الاجتماعية بتفهُّمٍ ولطف دون منافسةٍ سلبيَّة، ونيل محبّة الله تعالى، والفوز بنعيمه في الآخرة ونيل محبّة الناس في الحياة الدنيا.
أسال الله لي ولكم تواضعا وتراحما , لا انكسارا ومذلة ، ولا كبرا واستحقارا ، عفانا الله وإياكم.
كامل تحياتي دكتور محمد عويان المحامي.