هل عذاب القبر يقع على الروح والجسد .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين، ثم أما بعد هناك سؤال وهو هل عذاب القبر يقع على الروح والجسد؟ وهو أن عذاب القبر على الصحيح من أقوال العلماء يقع على الروح والجسد، وقال ابن القيم رحمه الله: وقد سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة، ونحن نذكر لفظ جوابه فقال “بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا بإتفاق أهل السنة والجماعة.

فقيل تُنعّم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتنعم وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين كما تكون على الروح منفردة عن البدن، وأن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى” ويضرب العلماء مثالا لذلك الحلم في المنام فقد يرى الإنسان أنه ذهب وسافر وقد يشعر بسعادة وهو نائم وقد يشعر بحزن وأسى وهو في مكانه وهو في الدنيا فمن باب أولى أن تختلف في الحياة البرزخية. 

وهي حياة تختلف كلية عن الحياة الدنيا أو الحياة في الآخرة، وقال الإمام النووي رحمه الله “فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يُسأل ويُقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر، فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظر في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذا يجد اليقظان لذة وآلما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبرئيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون، وكل هذا ظاهر جلى” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “والنائم يحصل له في منامه لذة وألم وذلك يحصل للروح والبدن حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئا طيبا فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود. 

فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به حتى قد يصيح النائم من شدة الألم أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة ولو خوطب لم يسمع فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم أنه “يسمع قرع نعالهم” وقال صلي الله عليه وسلم “ما أنتم أسمع لما أقول منهم؟” والقلب يشبه القبر، ولهذا قال صلي الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق ” ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا” وفى لفظ ” قلوبهم وقبورهم نارا” وفرّق بينهما في قوله تعالي ” فإذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور” 

وهذا تقريب وتقرير لإمكان ذلك، ولا يجوز أن يقال ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل الميت لا يتحرك في قبره والتراب لا يتغير ونحو ذلك مع أن هذه المسألة لها بسط يطول وشرح لا تحتمله هذه الورقة والله أعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى