الزهرة العناق تكتب : ليلة القدر

في ظلمة الليل، حين تسكن الأرواح، و تخبو أضواء المدينة، و يعم الهدوء الكون، تضاء القلوب بنور لا تدركه الأبصار، لكنه يشع في أعماق المؤمنين، إنها ليلة القدر، الليلة التي تضج فيها السماوات بتسابيح الملائكة، و تتنزل فيها البركات، و يقدر فيها ما سيكون من الأقدار لعام قادم بأمر من الله.
ها هي رحلتنا مع رمضان أشرفت على النهاية، مضت أيام الرحمة، وها نحن نعيش نفحات المغفرة، نبحث عن لحظة صدق مع الله، لحظة تسكب فيها القلوب دموع الخشوع، وتمتد فيها الأيادي إلى السماء تضرعا و رجاء. ما بين ليلة و أخرى، نترقب موعدا ليس كأي موعد، موعدا مع ليلة تفوق في بركتها ألف شهر، فهل أعددنا لها عدتها؟
كل عام، تمنحنا هذه الليلة فرصة لنفتح صحيفة جديدة، نطهرها من الخطايا، و نزينها بالأعمال الصالحة. المسألة ليست في كثرة الركعات أو تكرار الدعوات، و التنقل من مسجد إلى اخر، بل في حضور القلب و طهارته، في اليقين بأن الله يسمع و يرى، في الصدق حين نقول: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.”
الاستعداد لليلة القدر ليس تحضيرا جسديا، أو تحضير أشهى الأطباق و التباهي بها أو ارتداء أجمل جلباب و التعطر بأغلى العطور، بل هو استنفار روحي، و مراجعة النفس، ومصالحة مع الله. فليكن الدعاء رفيقنا، والقرآن نورنا، والتوبة شعارنا. فربما تكون هذه الليلة آخر ليلة قدر ندركها، وربما يكتب فيها مصير جديد، فهنيئا لمن أخلص، و طوبى لمن فاز فيها برضوان الله و شفاعة الحبيب المصطفى و شفاعة القرآن.
لا تسأل متى ليلة القدر، بل اسأل نفسك: هل أنا أستحق نفحاتها؟ وهل سيكون لي فيها نصيب؟ فإن كنت ممن تهجد، وتصدق، وتاب، فأبشر فإنك على أبواب ليلة مباركة، إن قبلت فيها، لم تعد بعدها كما كنت.