الدكرورى يكتب/ عن الإحسان وموجبات المغفرة

الدكرورى يكتب/ عن الإحسان وموجبات المغفرة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي كان من صور رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان هو نهيه عن المُثلة بالحيوان، وهو قطع قطعة من أطرافه وهو حي، ولعن من فعل ذلك، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من مثّل بالحيوان” رواه البخاري، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وُسم وهو كوي، في وجهه، فقال لعن الله الذي وسمه” مسلم، ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان هو أن بين لنا أن الإحسان إلى البهيمة من موجبات المغفرة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى، وهو التراب، من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له” قالوا يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال في كل ذات كبد رطبة أجر” رواه البخاري، وأعجب من ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بينما كلب يطيف بركية، وهو بئر، قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها، وهو خُفّها، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به” رواه البخاري، وفي المقابل أوضح لنا النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم.
أن الإساءة إلى البهائم ربما أودت بالعبد إلى النار، فقال صلى الله عليه وسلم “دخلت امرأة النار في هرّة، وهي القطة، ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا” رواه مسلم، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصين على ملامسة أو ملامسة شيء لمسه النبي صلى الله عليه وسلم رجاء البركة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة؟ فقال القوم هي الشملة، فقال سهل هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت يا رسول الله أكسوك هذه؟ فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال نعم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه.
قالوا ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها” رواه البخاري، وفي رواية أخرى قال الصحابي “والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل فكانت كفنه” ويظهر في هذا الحديث وغيره تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لكل ما لامس جسد النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابي السائل ما طلب البردة ليلبسها، بل طلبها ليكفن بها، تبركا بملامستها لجسد النبي صلى الله عليه وسلم ولولا علم الصحابة بجواز ذلك لأنكروا عليه، ولو أنهم كانوا يجهلون المسألة أصلا، لسألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم.