الحرية.. شمس لا تحجب بالأسوار : الكاتبة/ الزهرة العناق

الحرية ليست مجرد كلمة تتلى، ولا شعار يرفع في الميادين، بل هي جوهر الإنسان وكيانه الأسمى، وحق طبيعي لا يمكن أن يقايض أو يساوم عليه. إنها تلك الروح التي تسري في شرايين الحياة، تمنحها معنى وقيمة، وتجعل الإنسان أهلا لحمل رسالته الكبرى على هذه الأرض.
الحرية ليست امتيازا يمنحه الأقوياء للضعفاء، ولا صدقة يجود بها الغني على الفقير، بل هي حق أصيل يولد مع الإنسان، وينتزع بإرادة الأحرار الذين يؤمنون بكرامتهم وعزة أنفسهم.
الحرية هي البداية الحقيقية للحياة، فهي التي تجعل الفكر ينطلق دون قيد، والروح تحلق دون حاجز. إنها الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات وتزهر به الأمم. دون حرية، يتحول الإنسان إلى آلة تعمل بلا غاية، ويصبح المجتمع كيانا جامدا بلا روح.
الحرية ليست في اختيار ما نريد فقط، بل هي في القدرة على قول “لا” حين تفرض علينا قيود لا تنتمي إلى عدالة الحياة وقيمها.
الكرامة والحرية وجهان لعملة واحدة. فلا حرية بلا كرامة، ولا كرامة بلا حرية. الكرامة هي السياج الذي يحمي الحرية من أن تصبح أداة في أيدي المستبدين. العبد الذي يرضى بقيوده فقد حريته قبل أن يسلبها، والحر هو من يرفض الظلم ولو كلفه ذلك أثمن ما يملك. الحرية تستمد قوتها من الإيمان بأن الإنسان هو قيمة عليا، لا يهان ولا يباع ولا يشترى.
الحرية ليست مطلبا رجى، بل واجب يتحمل مسؤوليته كل فرد. حين يؤمن الإنسان بحقه في الحرية، فإنه يدرك أنه مطالب بالدفاع عنها وحمايتها، ليس لنفسه فقط، بل لكل من حوله. الحرية التي تنتزع بالقوة تصبح منارة تهدي الأجيال القادمة، لأنها خطت بدماء الأبطال الذين أبوا أن يعيشوا أذلاء.
الحرية لا تعني الفوضى، بل تعني الالتزام بقيمٍ عليا تحفظ حقوق الجميع. إنها لا تمارس في عزلة، بل تنمو في بيئة من الاحترام المتبادل والوعي بالمسؤولية. العمل الجماعي هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحرية، لأن الفرد مهما بلغ من قوة، لا يستطيع أن يصون حريته وحده. الحرية الحقيقية تزدهر عندما يدرك الجميع أن الحقوق تأتي مقرونة بالواجبات، وأن المسؤولية الجماعية هي الدرع الحصين ضد الاستبداد.
الحرية ليست غاية تدرك في لحظة، بل هي مسيرة مستمرة عبر الزمان. هي النضال الذي لا ينتهي، والصراع الدائم ضد كل أشكال الاستبداد. كلما حقق الإنسان حريته في جانب، اكتشف أن عليه أن يسعى إليها في جانب آخر. الحرية ليست مجرد حالة، بل هي فلسفة الحياة، وطريق طويل يخطوه المؤمنون بها بإرادة لا تعرف الانكسار.
لذلك، لا تسأل: “أين حريتي؟” بل اسأل: “كيف أصونها وأحميها؟” فالحرية هي أنت، وهي أنا، وكل ما يجعلنا بشرا جديرين بالحياة.