الدكـــروري يكتب: السماحة في تحمل الأذى

 

الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرّه وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جاد السّحاب بقطره، وطلّ الربيع بزهره، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد

إن من أنواع السماحه هو السماحة في تحمل الأذى، فإن الفظاظة ليست من ديننا حيث قال الله تعالى ” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمنون هينون لينون” فحري بنا أن نتحمل جهل الجاهل، وفورة الغاضب، وحري بنا أن يغلب علينا خلق العفو والصفح والسماحة واللين، فيا معاشر الفضلاء الكرماء. 

إننا يجب أن نسل سخائم البغض من قلوبنا، وننقيها من كل شائبة حسد أو حقد، ونعمرها بالرضا والتجاوز والسماحة، فيقول ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية ما رأيت أحدا أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية وكان بعض أصحابه الأكابر يقول عنه وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، ما رأيته يوما يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم، وقد جئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال إني لكم مكان أبيكم ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه” وهكذا فلتكن الأخلاق، وهكذا فليكن الصفح، وهكذا فلتكن السماحة، فأين هذه السماحة العالية من الجهامة الظاهرة على وجوه بعض الموظفين والعاملين، وهذا الصلف البين. 

في تعامل بعض أصحاب رؤوس الأموال والقادرين، وهذه الشدة التي تنفر منها الطباع في الأقوال والأفعال، فهي ليست من ديننا في شيء، وليست من أخلاق المؤمنين في شيء، وإن السماحة لا تعني الخور والضعف، ولا المهانة والإستكانة كما يظن بعض الناس كلا، بل هي خلق عال ينبئ عن صفاء في القلوب، ووثوق بالنفس، وصدق في التعامل، ولقد خلط الناس في مفهوم السماحة وظن بعضهم أن هناك أمورا تنافيها وهي من لبابها، بل هي مفاتح بابها ومن ذلك أولا الغضب عندما تنتهك حرمات الله تعالي فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما إنتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله” رواه البخاري. 

هذا فليكن التوازن، سهولة ويسر ولين، إلا فيما حرم الله، إن بعض الناس اليوم يرى السهولة والسماحة أن يتنازل له فيما حرم الله في خدمة تقدم له، وإذا ما أبى المطلوب منه وقال هذا حرام أو هذا بهتان وزور، قال أنت متشدد والدين يسر، وهذا خلط يجب أن يقلع من العقول، وكما أن من مفاتح السماحة هو طلب الحق، وطالب الحق له أن يطلب حقه حتى يحصل عليه وهذا ليس مضادا للسماحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أغلظ له في طلب حقه “دعوه فإن لصاحب الحق مقالا” رواه البخاري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى