الدكـــروري يكتب: ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استُعيذ به أعاذ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير” ولعلك تسأل إذا كان أهل الجنة يأكلون ويشربون، ألا حاجة لهم إلى الإستفراغ؟ فيجيبك على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند الإمام مسلم وغيره “إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتمخطون” قالوا فما بال الطعام؟
قال “جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد، كما تلهمون النفس” وأعلى أهل الجنة منزلة هم أهل الغرف، فما منزلتهم؟ ومن يكونون؟ روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم” قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال “بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين” رواه مسلم، أما أدنى أهل الجنة منزلة فذاك الرجل الذي حكى قصته رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال “آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين.
فترفع له شجرة، فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل يا ابن آدم، لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول يا رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأوليين، فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها.
فيقول يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال بلى يا رب، لا أسألك غيرها، وربه عز وجل يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول أي رب، أدخلنيها فيقول يا ابن آدم، ما يصريني منك؟ أي ما يقطع مسألتك مني؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود، فقال ألا تسألوني مما أضحك؟ فقالوا مم تضحك؟ قال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا مم تضحك يا رسول الله؟ فقال ” من ضحك رب العالمين، حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر” رواه مسلم.