الاستعداد الروحي لاستقبال رمضان.. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

رمضان ميلاد جديد للروح، فكيف نستعد له؟

حينما يطرق رمضان أبواب القلوب، يظل العارفون يتأهبون لاستقباله، ليس بموائد طافحة وأجساد مترفة و مشاركتها على وسائل الإعلام ،ولكن بأرواح تصقلها الطاعة، وقلوب تغتسل بصابون التوبة، ونفوس ترتشف من معين الإخلاص. إن الاستعداد الحقيقي لرمضان ليس مجرد عادة تتكرر، بل هو ارتقاء في مدارج السالكين، وسفر إلى عوالم الصفاء الروحي، حيث تتلاشى شوائب الغفلة و تزهر أنوار القرب.

شهر رمضان شهر النور لا نستقبله بقلوب مثقلة بأدران الحسد أو أعباء الضغينة، بل بتجديد العهد مع الله، وكنس زوايا الروح من أهوائها، امتثالا لقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. فالقلب السليم هو نافذة إلى رمضان مفعم بالنقاء، مستعد لفيض البركات.

رمضان هو شهر القرآن، ولا يصح أن يستقبل بتلاوةٍ باردة أو قراءة جافة، بل يجب أن تكون العزائم مشتعلة لفهمه، والتدبر فيه، وتحويل آياته إلى منهاج حياة. قال الحسن البصري: “أنزل الله القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا”. فمن أراد أن يحيي ليالي رمضان بروحانية سامقة، فليجعل القرآن رفيق مسيرته، ومحراب و جدانه.

الصيام ليس إمساكا عن الطعام والشراب فحسب، بل تصفية المشاعر، و الترفع عن سفاسف الدنيا، وإدراك أن الجوارح لا تخاطب بالامتناع فحسب، بل تلزم بالخشوع والمراقبة. قال النبي ﷺ: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (رواه البخاري).

فمن أراد أن يتذوق حلاوة الصيام، فليروض قلبه على الورع، ولسانه على الذكر، وعينه على غض البصر، حتى يكون صيامه مكللا بالقبول.

القيام في رمضان ليس روتينا عابرا، بل هو انطلاقة نحو أفق روحيٍ لا يدركه إلا العابدون السائرون في سبل المناجاة. فكم من ساجد ضمته الأرض، لكنه في السماء يطوف بروحه بين الملائكة! وكم من قائم استحالت أناته إلى أنغام تطرق أبواب الرحمة! قال النبي ﷺ: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه”.

فالسعيد السعيد من جعل من لياليه مصابيح خشوع، يضيء بها عتمة الذنوب، ويوقظ بها غفلة الأيام.

الإنفاق في رمضان ليس مجرد درهم يلقى في يد المحتاج، بل بوح بالمحبة، وترجمة لحقيقة الزهد. فالمقبل على رمضان بقلب معطاء، سيشعر أن العطاء ليس إحسانا للفقير فحسب، بل هو زاد يرفع صاحبه في مدارج الفضل.

لقدكان النبي ﷺ “أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان” (رواه البخاري ومسلم). فمن رام القرب، فليغدق من كرمه، وليرسم الابتسامة على وجه أرملة، أو يمسح دمعة يتيم، أو يسد جوع مسكين، فإن صنائع المعروف تدخر لصاحبها يوم الفزع الأكبر.

أعظم زاد يدخل به العبد رمضان هو التوبة الصادقة، التوبة التي تزيل غشاوة القلب، وتبدل وحشة الذنب بأنوار الإنابة.

قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ 

فمن نظف قلبه بصابون التقوى، و جدد توبته، و استغفر بكرة و أصيلا، وجد في رمضان فرصة لا تعوض، حيث تتنزل الرحمات، و تغفر الزلات، و تصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان.

أخيرا وليس آخرا، رمضان ليس شهرا عابرا كباقي الشهور، بل هو ميلاد جديد للروح، فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، و استثمار عظيم في الآخرة. فمن دخله متأهبا، خرج منه بروح مشرقة، وقلب مخضب بنور الطاعة، ونفس تسامت عن وحل الدنيا. فهنيئا لمن هيأ نفسه لاستقبال رمضان بقلب عاشق، وجوارح متلهفة، ونية خالصة، عسى أن يكون ممن ينادى عند نهايته: “قد غفر لك ما تقدم من ذنبك، فابدأ صفحة جديدة مع الله”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى