تجفيف منابع الفساد والفتنة .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن الحب الحقيقي للوطن يتجلى في أمور منها هو القضاء المحكم على أسباب الشر والرذيلة وعوامل الخلاعة والميوعة التي تغرق المجتمع في أوحال الفساد والخنا، فتنشأ الأجيال الشهوانية العابدة لملذاتها ومتعها الرخيصة، بحيث يتعذر عليها القيام بأدنى دور ذي بال يحفظ لها كرامتها وشرفها عند تعرضها للإمتهان على يد عدو متربص وصائل حاقد، إذ إن تجفيف منابع الفساد والفتنة هو الكفيل بصنع الرجال الحقيقيين، المحبين لربهم ودينهم، المدافعين عن وطنهم المؤمن الموحد بصدق وعزيمة، وكذلك التواصل الحقيقي بين الأفراد والجماعات.
وإزالة أسباب التفرقة والخلاف بين أفراد المجتمع، وقيام روح النصيحة والتعاون والتكاتف في وجه التيارات القادمة، وأيضا الإنتظام التام في المحافظة على الآداب الشرعية والنظم العادلة المرعية التي تسعى إلى جمع الكلمة بين الراعي والرعية، سمعا وطاعة بالمعروف، وأداء للحقوق والواجبات، كل فيما له وعليه، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد، وقد قال الغزالي ” والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتقص” ويروى أنه عندما تقدم نابليون نحو الأراضي الروسية بقصد احتلالها، صادف فلاحا يعمل بمنجله في أحد الحقول.
فسأله عن أقرب الطرق المؤدية إلى إحدى البلدان بعد أن أعلن له عن شخصيته، فقال له الفلاح ساخرا ” ومن نابليون هذا ؟ إنني لا أعرفه” فقال نابليون غاضبا سوف أجعلك تعرف من أنا، ثم نادى أحد الضباط وأمره بأن يسخن قطعة من المعدن على هيئة حرف “N” الذي يبدأ به اسم نابليون حتى درجة الاحمرار ثم يلصقها بذراعه اليسرى، وبعد أن تم لنابليون ما أراد، هوى الفلاح بالمنجل على ذراعه من عند الرسغ وقطعها، وقال لنابليون والدم ينزف منه “خير لي أن أموت أو أحيا بذراع واحدة، من أن أعيش بجسم تلوث بالحرف الأول من اسمك، إنني وما أملك لبلادي ” ذهل نابليون من رد فعل هذا الفلاح، فصاح في جنوده أن يحضروا الزيت، ويقوموا بغليه، ويغمروا البقية الباقية من يده فيه، لإيقاف النزيف، قائلا لهم ” حرام أن يموت رجل يملك هذه الشجاعة وهذه الوطنية ”
لكنهم إلى أن أحضروا الزيت وقاموا بغليه كان الفلاح قد نزف دما كثيرا، وما هي إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه، وحزن نابليون عليه حزنا شديدا لدرجة أنه أمر بحفر قبر له يدفن فيه، ومكث في المكان نفسه عدة أيام، وقبل أن يغادر وضع قبعته الشخصية على القبر وتركها تكريما وتقديرا لذلك الفلاح الجريء، وأمر قواته بأن تتجاوز تلك القرية ولا تدخلها أبدا، فأين نحن من تضحياتنا لوطننا؟ فالتضحية من أجل الوطن ليست مقتصرة على مواجهة العدو والموت في سبيل الوطن ورفع الشعارات، أين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية وهم من ذلك براء؟ ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة.