د. محمود عثمان يكتب: لعنة الحزام الأسود.. حين يفضح القماش ضمير صاحبه

في عالم الفنون القتالية، لا يوجد رمز يُلهب الطموح أكثر من الحزام الأسود.
هو ليس مجرد قطعة قماش تلف الخصر، بل حلم يتربّى في نفوس المبتدئين، ويكبر معهم في كل تدريب، وفي كل عرق يسيل على أرض الصالة.
لكن الحقيقة التي لا تُقال كثيرًا هي أن هذا الحزام، الذي يُفترض أنه تتويج لرحلة طويلة من الجهد والانضباط، قد يتحول إلى لعنة… نعم، لعنة تفضح النفوس قبل أن تزيّنها.
اولا: الإنكار… البداية الخفية للانهيار
الطريق إلى الحزام الأسود يجب أن يُبنى على أساس راسخ من المهارة، والالتزام، والأخلاق.
لكن في زمننا الحالي، أصبح الوصول إليه في بعض الاتحادات المحليه والدولية لا يعتمد على الكفاءة، بل على المجاملة، أو المصالح، أو حتى الاستعراض الفارغ.
وهنا يبدأ أخطر أمراض المقاتل: الإنكار.
إنكار أنه لم يستحق، إنكار أن رحلته كانت ناقصة، إنكار أن ما ارتداه ليس تتويجًا بل تمثيلية.
ثانيا: المشكله هو انت عرفت ان انا عرفت انك عرفت!!
في مجتمع الفنون القتالية، الكل شايف الكل.
كل مدرب يعرف مستوى تلاميذه، وكل مقاتل حقيقي يقدر يميز بين من تعب ومن اختصر الطريق.
وحين يحصل أحدهم على الحزام بطرق ملتوية، يظل يعيش في دائرة متكررة من التوتر والقلق:
منها “أنا عارف إني مش قدّه، وهو عارف إني عارف، وأنا عارف إنه عارف إني عارف.”
حالة مستمرة من التمثيل والتستر، لا تنكسر… بل تنهش في الروح.
ثالثا: الحزام الأسود يفضح… لا يجمّل
على عكس ما يعتقده البعض، الحزام الأسود لا يُجمّل من يرتديه… بل يكشفه.
فمن كان فارغًا، يُظهر فراغه.
ومن كان متعجرفًا، يُسلّط الضوء على غروره.
ومن كان غير نقي السريرة، يفضحه أمام نفسه قبل الناس.
هو لا يحمي، بل يحاسب.
والمشكلة ليست في الحزام نفسه، بل فيمن يحاولون أن يحملوه قبل أن يحملوا قيمه.
رابعا: للأسف… لم يكونوا يومًا أهلاً له
للأسف الشديد، هناك من ارتدوا الحزام الأسود دون أن يمتلكوا أدواته، لا فنيًا ولا أخلاقيًا. دخلوا عالم الفنون القتاليّة بحثًا عن سلطة أو مظهر، لا عن معرفة أو تهذيب. فأساءوا لأنفسهم، وللمدرسة التي ينتمون لها، وللرمز الذي يحملونه حول خصورهم.
خامسا: من المسؤول الحقيقي .. ببساطه هو المدرب الذي باع الرمز. لا يمكن أن نُلقي اللوم كله على الطالب الذي قفز فوق المجهود، لأن هناك طرفًا آخر في المعادلة هو الأخطر… المدرب.
نعم، بعض المدربين – عن قصد أو ضعف أو مصلحة – تخلّوا عن دورهم التربوي الحقيقي،
وتحوّلوا من “صُنّاع مدربين حقيقيين” إلى “موزّعي أحزمة”.
باعوا القيمة مقابل التلميع، وتنازلوا عن المبادئ من أجل زيادة عدد الحاصلين على “اللعنه السوداء”، حتى لو لم يكونوا مؤهلين لا بدنيًا ولا أخلاقيًا.
هؤلاء المدربون يتحمّلون الجزء الأكبر من المسؤولية، لأنهم سمحوا بمرور “اللعنة”، بل هم أول من فتح لها الباب.
الحزام الأسود في الأصل يُمنح بـ”النية والشهادة”، لكن حين تتحول النية إلى مجاملة، والشهادة إلى ورقة، نكون أمام كارثة لا تخص لاعبًا واحدًا، بل جيلاً بأكمله.
في الختام:
الحزام الأسود ليس نهاية الطريق… بل بدايته.
وإن كانت هذه البداية مبنية على كذبة، فكل خطوة بعدها ستكون غرقًا في وهم، وسقوطًا مستمرًا في نظر النفس والناس.
الحزام الأسود لا يرحم… لأنه لا يُمنح، بل يُنتزع.